Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
26 juillet 2009 7 26 /07 /juillet /2009 22:18

ربما يكون في حكم المبكر أن يطلق المرء أحكاماً قطعية في اتجاهات سياسة الرئيس باراك أوباما تجاه العالمين العربي والإسلامي. فالرجل لم يقض في السلطة سوى سبعة أشهر. وهي فترة لا تكفيه ليرسم سياسة قارة تجاه المنطقة، على الرغم من أن كثيراً من خطوطها العامة والعريضة رسمت وبعضها أعلن منذ حملته الانتخابية في نهاية صيف العام 2008. وربما احتيج إلى وقت أطول (بضعة أشهر) لتبين ملامحها على نحو أكثر وضوحاً أو أقل التباساً في الحد الأدنى من التقدير: كما يعتقد كثير ممن يتابعون مواقفه بتفاؤل أو حماسة في عالمنا العربي. وقد يذهب بعض من هؤلاء إلى التذكير بخطاب أوباما في جامعة القاهرة، قبل بضعة أسابيع، للدلالة على أن ملامح التغيير في السياسة الأمريكية تجاه العالمين العربي والإسلامي بدأت في التبلور، وأن مزيداً من الوقت سيكون كفيلاً ببيان حقيقة التغير الذي طرأ عليها في العهد الأمريكي الجديد. لسنا نسقط البعد الزمني في السياسة الأمريكية من الحساب لعلمنا بأهميته وحيويته بالنسبة إلى دولة عظمى تواجه عشرات المشكلات الاقليمية والدولية والداخلية الكبرى، وتعرف حساسية بعض قضايا ما تنعتها باسم منطقة “الشرق الأوسط”. لكننا في الوقت نفسه، ندرك جملة من الحقائق التي لا يجوز لأحد أن يذهل عنها في معرض الحديث عن سياسات الإدارات الأمريكية، وفي جملتها حقيقتان رئيسيتان: الأولى ان السياسات الأمريكية أياً يكن نوع النخبة السياسية القائمة على أمرها في البيت الأبيض سياسات استراتيجية كبرى بحجم المصالح الاستراتيجية الكبرى للدولة: وهي تغطي العالم كله. وبالتالي، فلا مجال للاعتقاد بأنها مرتجلة أو تجريبية أو خاضعة لمزاج الرئيس وفريق عمله. كما أنه لا مجال للظن بأنها سياسات مرتبطة ارتباطاً آلياً بشخص الرئيس وطاقمه وحزبه، ولا أن هؤلاء وحدهم يصنعونها. إنها حصيلة توافقات بين مصالح متعددة، وحصيلة صناعة مركبة تساهم فيها جملة من المؤسسات قبل أن تصل إلى البيت الأبيض مثل الكونجرس، والدفاع، والخارجية، والمخابرات، ومراكز الدراسات المرتبطة بهذه المؤسسات، ومجلس الأمن القومي.. الخ. لذلك يخطئ كثيراً من يتحدث بلغة الجزم واليقين عن سياسة أمريكية في طور التبلور في مسألة ما من مسائل العالم، ومن يراهن على مزيد من الوقت لنضوج ملامحها، وخاصة حينما يتعلق الأمر بقضايا ذات حساسية بالغة من منظار الأمن القومي الأمريكي مثل قضايا ما يسمى ب “الشرق الأوسط”: حيث النفط و”إسرائيل” والسلاح النووي و”الارهاب”. والثانية أن هذه السياسات قائمة على ثوابت لا تحيد عنها الإدارات الأمريكية المتعاقبة أياً كانت أصولها الحزبية لأنها (ثوابت) محل إجماع قومي، ولأنها تترجم مصالح عليا لا تتغير تحت تأثير مستجدات طارئة. إن أمن “إسرائيل” وأمن تدفق النفط واحتكار “حلف شمال الأطلسي” للأمن في أوروبا ومواجهة مصادر التهديد للغرب (الشيوعية سابقاً و”الارهاب” حالياً).. بعض من ثوابت تلك السياسات التي لا تقبل التغيير في الولايات المتحدة برحيل نخبة عن البيت الأبيض وقدوم أخرى. أما الفارق بين موقف حزب وآخر في شأن هذه الثوابت، فشأن ضئيل يكاد لا يلحظ. ومن النافل القول إن السياسات الأمريكية تخضع مثل غيرها للمراجعة، وتشارك المؤسسات كافة في تلك المراجعة. لكنها المراجعة التي تصرف على جهة تعزيز الثوابت الاستراتيجية وليس على جهة التنازل أو التخلي عنها كما قد يظن. تطلعنا الحقيقتان تيناك على وجوه اشتغال النظام السياسي الأمريكي، وعلى موقعية البيت الأبيض وسيده فيه وفي مواجهة “المقدسات” الاستراتيجية العليا غير القابلة للانتهاك. من يتجاهل هذا ويتلهى بفرضية عامل الوقت والحاجة إليه وبفرضية “التغيير” الذي تهل بشائره، يعجز عن فهم هذا النظام وهذا الانتظام الدائب في السياسات الأمريكية، ويترتب عن عجزه عن الفهم عجز في بناء المواقف السياسية المناسبة للدفاع عن المصالح والحقوق العربية في مواجهة سياسة أمريكية لا تلحظ سوى مصالحها في ما تقوم به وتقدم عليه. وأوباما؟ هل هو محض قطعة غيار في آلة أمريكية؟ سبق أن كتبنا في هذا المنبر غداة انتخابه رئيساً أن انتخابه يعبر عن ثورة حقيقية في المجتمع الأمريكي بسبب أصوله الإفريقية والإسلامية، ونكرر ذلك اليوم من دون أن نقع في تناقض مع ما نقوله في هذا النص، ذلك بأن الفارق كبير بين ثورة في المجتمع تتغير بها معاييره وقيمه وثورة في النظام السياسي تتغير بها استراتيجياته. حدثت الأولى جزئياً. لكن الثانية لم تحدث، وقد لا تحدث في الزمن المنظور.

 

بقلم الدكتور عبد الإله بلقزيز

المقال موجود على الرابط التالي:

http://www.alkhaleej.ae/portal/fd8c0092-a377-4365-906a-c76242e18d8e.aspx

 

Partager cet article
Repost0

commentaires

Profil

  • Dr.Belkeziz
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni

Texte Libre


Recherche

Archives