Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
28 juin 2009 7 28 /06 /juin /2009 22:22

في التأليف الإثنوغرافي الغربي الحديث صورة عن الوطن العربي متواترة: عالم من الصحاري الممتدة لقد جرى ما يشبه إقصاء المجال المديني، حيث المجتمع التجاري في أعلى درجات الازدهار من خلال الخواطر العربية الكبرى المزروعة في سفوح الجبال، وفي الواحات، وعلى ضفاف الأنهار وسواحل البحار، وكأنها ليست مراكز للاجتماع الحضاري، ومناطق لإنتاج العمران، أو كأنها  في أحسن الأحوال  مجرد مناطق خضراء معزولة لا تمثل من الكيان إلا الاستثناء الذي لا ينقض القاعدة. وعلى النحو نفسه، لم ينتبه هذا الوعي الإثنوغرافي الغربي الى المجتمع الزراعي العربي، بل شكّل تجاهله قاعدة لدى أكثر من جالوا في المنطقة ووصفوا جغرافيتها الطبيعية والبشرية.

 

ليس من شك في أن الصحراء تمثل في الجغرافيا الطبيعية العربية أكثر من ثلاثة أرباعاها، ولا شك في أن العوازل الصحراوية بين المدن والمناطق الزراعية قائمة، غير أن المجتمع الزراعي والمجتمع التجاري انتصر في البلاد العربية على المجتمع الرعوي. وهي حقيقة تعود الى ألف وخمسمائة عام، منذ قام اقتصاد الجزيرة العربية على التجارة بعيدة المدى بين اليمن والشام. بل ومنذ اهتدى العرب الى بناء السدود (سد مأرب) لتنظيم الري. وإلى ذلك كله، لم تمنع الصحراء العرب من بناء حضارة كونية هي الحضارة العربية  الإسلامية في العصر الوسيط.

 

بَيّنٌ  إذاً  أن الأمر يتعلق بتصور إيديولوجي للبيئة الطبيعية العربية لا وظيفة له سوى بناء تصورات تحقيرية للعربي تُماهي بينه وبين تلك البيئة. والثابت  هنا  أن مفهوم الصحراء ينطوي  في الوعي الغربي منذ مونتسكيو على الأقل  على معنى قَدْحيّ! فهي  في هذا الوعي  مرادف للتخلف، والخمول، والركود، وشحة الإنتاج، والفقر الطبيعي... إلخ. وعلى ذلك، يصبح منطقياً أن يُنعت العربي  ابن هذه البيئة القاسية  بأنه متخلف، غير منتج، عديم الشعور بالزمن، فقير الخيال والإبداع فقر البيئة التي يعيش فيها.. إلخ.

 

ولم تتغير هذه الصورة المكتنزة بمشاعر الدونية تجاه العربي حتى حينما أفرجت الصحراء عن كنوزها مع اكتشاف النفط: إذ ظل العربي مجرد راعي إبل عصري يقود سيارته بعقل الأعرابي القديم، ويستهلك ما تقدمه الأرض من دون ميل الى التحلي بروح الإنتاج، ويطلق العنان لغرائزه ليقتل لهب الصحراء في جسده! إنها  من دون مبالغة  صورة أهل هذه الأرض في وعي المجتمع السياسي ومجتمع المثقفين في الغرب. ومن لديه شك في ذلك، ليراجع قصص الأطفال عن العرب، وركام الأفلام الذي أخرجه أهل هذا الوعي الى مواطنيهم ليقف بالدليل الدامغ على فداحة صورتنا في مخياله الجماعي.

 

هل من الضروري أن يدافع المرء عن الاعتقاد بتفاهة إقامة الاقتران الآلي بين الجغرافيا والمجتمع، بين الجيولوجيا والتاريخ، على نحو ما يقوم به هؤلاء الموتورون من مرتزقة “البحث الكولونيالي”؟ قد لا يكون ذلك ضرورياً عند العقلاء الذين يأخذون بالقاعدة التي تقول إن “تفسير الواضحات من المفضحات”. ولكن، إذا كان من الواجب أن يقدم المرء دليلاً لهؤلاء الموتورين، فلا أقل من أن يذكّرهم بأن الصحراء هي التي أنتجت الحضارية التي تمثلوا منجزاتها قبل خمسة قرون كي ينهضوا. وهي التي أنجب استغلالها التراكم الرأسمالي المعاصر الذي يرفلون  اليوم  في ثمراته.

 

لا تعبر هذه التصورات سوى عن بؤس العقل العنصري الذي يجعل البيئة مقياساً للحضارة، ويصنف البشر على نظام من التراتب لا يكون التاريخ قوامه، وإنما الجغرافيا. وهو نفسه الوعي الذي عانت منه إفريقيا “السوداء” التي دفعت ثمن لونها الأسمر وحرارة بيئتها من صورتها الحضارية! غير أن الأدعى الى التفكير والتساؤل هو: كيف تتجدد هذه النظرة العنصرية الى البشر بعد كل عمليات التصحيح التي طرأت  في القرن الراهن  على الانثروبولوجيا الغربية من تيارات فكرية أعادت الاعتبار الى ثقافات وحضارات شعوب عُدت متخلفة.

 

الجواب الوحيد الذي نملك على هذه الفضيحة هو أن تراكم الأزمات في العلاقة بين الأمم والشعوب ينتج مجدداً حالات من تدهور درجة الأخلاق في الفكر والوعي، فتتحول “المعرفة”  بموجب ذلك  الى شتيمة! لكنها شتيمة لا تستحق الرد.. فعذراً للقارئ على الرد.
الدكتور عبد الإله بلقزيز
المقال موجود على الرابط التالي:
http://www.alkhaleej.ae/portal/4187da12-348c-49e2-8eba-175b0b1fe1da.aspx

Partager cet article
Repost0

commentaires

Profil

  • Dr.Belkeziz
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni

Texte Libre


Recherche

Archives