Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
2 mars 2009 1 02 /03 /mars /2009 19:49

منذ أحداث 11 أيلول 2001 والحرب الأمريكية على أفغانستان، أخذ الحديث عن الصراع بين الغرب وخاصة الولايات المتحدة) والإسلام جرعة إضافية، فانهالت كتابات عديدة تصور التناقض بين المجتمعات العربية والاسلامية والمجتمع الأمريكي بل المجتمعات الغربية عموما تناقضا ثقافيا ودينيا ووجدان في كثير من سوابق الصدام في العراق وأفغانستان، والسودان...)، وفي كثير من الكتابات الغربية أو من تصريحات مسؤولين في حكومات أمريكا وأوروبا، مادة مناسبة للاحتجاج بها على صواب تعيين الصراع إياه بالشكل الذي ذكرناه، وتكاد هذه القراءة تصبح اليوم القراءة الوحيدة الممكنة، بل »الصحيحة«، لنوع العلاقة القائمة بين مجتمعاتنا والغرب الرأسمالي !
من النافل القول، إن كتابات غربية عديدة ساهمت في تعبئة الوجدان العربي الاسلامي بعقيدة التناقض الثقافي والديني، وخاصة منها تلك التي اكتسبت شهرة وفشوّاً بسبب تماسكها المنطقي وحاملها الأكاديمي مثل دراسة صموئيل هنتنغتون عن »صِدام الحضارات«. غير أن الذي لا ينبغي تجاهله أن المثقفين العرب والمسلمين قدموا مساهمة أبكر في إنتاج موضوعة التناقض الحضاري بين الحضارة الإسلامية وبين الحضارة الغربية المسيحية اليهودية. وليس قليلا ما كتبه، في هذا المعنى، أبو الأعلى المودودي، وأبو الحسن الندوي، وسيّد قطب، وعبد السلام ياسين، وآخرون، لم يجدوا في العلاقة بين »الحضارتين« من حاكم سوى التناقض والصدام. وتشكل كتابات هؤلاء وخاصة الثلاثة الأُوَّل منهم المادة الثقافية التي تغذَّى منها جيلان من »الصحوة الإسلامية« جيل عمر عبد الرحمان، وعبود الزمر، وسعيد حوَّى، وعبد السلام فرج...، وجيل تنظيم »القاعدة« قيادة ومحازبين، ومن ذهب مذهبهم من القارئين في هذه الأفكار، المؤمنين بها.
يشكل هذا التعيين الإيديولوجي للصراع بأنه صراع بين الغرب والإسلام، أي صراعٌ ثقافي وديني، نكوصا وتراجعا فادحيّْن عن فهمٍ أعمق للتناقضات بين مجتمعاتنا وبين دول الغرب نَضَجَ في حقبة ممتدة من القرن العشرين منذ انهيار الامبراطورية العثمانية ودخول الاستعمار إلى ديارنا الى انهيار الاتحاد السوفياتي وعودة الاستعمار الى بلداننا من جديد. وسِمة ذلك الفهم النظر الى الصراع ذاك في مرآة مصالح طرفيه العرب ودول الغرب.
ففيما يدافع الأولون عن استقلالهم الوطني وسيادة دولهم، وتحرر أوطانهم، وحقوقهم في ثرواتهم، وطموحهم الى تحقيق وحدتهم القومية، ينازعهم الغرب في ما سعوا فيه من منطلق مصالح دوله في ثروات المنطقة العربية، وفي إضعاف قدراتها الاستراتيجية حتى لا تهدد حليفه ووكيله الاقليمي الكيان الصهيوني. لم تكن الحركات الوطنية والقومية واليسارية والنخب الحاكمة بسائر ألوانها وأشكالها ترى في الغرب القائم تمثيلا لحضارة مسيحية يهودية، أو عدوا لا هدف له سوى ضرب عقيدة الأمة وثقافتها، وإنما رأت فيه عدوا استعماريا يتربّص بمصالحها واستقلالها وسيادتها ويحالف عدوها الأول الدولة الصهيونية. وما كانت دول الغرب ترى في العرب مسلمين معارضين لحضارتها ينبغي »تأديبهم« وردعهم عن تهديد قيمها الحضارية »الكونية«، وإنما ترى فيهم أعداء سياسيين يدافعون عن مصالح وحقوق تُضِرُّ بمصالحها. كان التعيين دقيقا من الطرفين، ولم يكن أحد منهم يخطئ تقدير الموقف في رؤيته للثاني. اليوم اختلف الأمر كثيرا في النظر الى الأشياء لا من جانب الغرب كما يدعي بعضٌ من مثقفينا، بل من »جانبنا« نحن، أو قُل على وجه الدقة من جانب كثيرين ينصّبون أنفسهم للحديث باسم الأنا الجماعية للعرب والمسلمين.
ينتمي هذا التراجع في وعي العلاقة بين مجتمعاتنا وبين الغرب الرأسمالي إلى أوضاع ثقافية أو فكرية أنتجها التفكير من داخل إشكالية الهوية. القائلون بالصراع الثقافي والديني ناظما وحيدا وحاكما أوحد للعلاقة، ينطلقون من مواقع دفاعية تراجعية عن الذات في مواجهة زحف حقائق العصر الحديث، ومنها السيطرة الغربية على العالم بأشكال مختلفة من العنف المادي والرمزي. ليس في حوزة هؤلاء أجوبة سياسية واقتصادية عن التحديات التي أنجبها تفوُّق الغرب وزحفه منذ الاستعمار التقليدي حتى العولمة. الجواب الوحيد الذي في مُكْنتهم جواب ثقافي جاهز، يَسْتَلُّونه من مدونة إسلامية وسيطة كانت ياللمفارقة قد أجابت بشجاعة عن مشكلات عصرها. ومن لا يملك غير هذا الجواب الثقافي الديني عن مشكلات هي من طبيعة سياسية واقتصادية وعلمية، يَحْسَبُ أن المشكلات هذه من طبيعة ثقافية ودينية !
إشكالية الهوية نكوصية بطبيعتها وغير قادرة على تزويد صاحبها برؤية تاريخية فعّالة. إنها لا تنطلق من السؤال كيف أقتحم وأصنع وأتقدم وأُجابه التحدي دون رجوع إلى مواقع خلفية؟ بل تنطلق من السؤال كيف أحفظ ذاتي من التبديد، وكيف أصونها مما قد يستهدف تغيير جوهرها الذي تقوم وتتقوَّم عليه؟ ومن الطبيعي أن مثل هذا السؤال الأخير يضع صاحبه أمام الجواب الوحيد الدفاع عن الذات. ومادام المدافع في موقع ضعيف في التوازن، فإن دفاعه يكون أشبه بالقتال التراجعي إلى القواعد الخلفية، أي يصبح انكفائيا ومتشرنقا على النفس متوسِّلا بماض مرجعي.
لم يكن هذا حال العرب والمسلمين في العصر الوسيط الذين يستدعيهم اليوم خطاب الهوية الدينية والحضارية كانوا قادرين على حماية حضارتهم وعقيدتهم دون أن ينسحبوا من العالم والتاريخ، ودون أن يقاطعوا حضارات وثقافات غيرهم، ودون أن يروا في الغير مجرد ماكر شرير يتربص بهم الدوائر.
وكان الآخر يعيش كافرا بجوارهم دون أن يلتفتوا إليه، لكنهم حاربوه بقوة ودافعوا عن ممالكهم حين هدد مصالحهم وكياناتهم. سيقال إنه لا قياس مع الفارق، فهؤلاء كانوا في وضع قوة تسمح لهم بغير ما تسمح به أوضاع الضعف التي عليها نحن اليوم. طيب، لنأخذ مثالا ممن يشبهنا أو تشبه أوضاعه أوضاعنا المثقفون الإصلاحيون العرب والمسلمون في القرن التاسع عشر. كانت صدمة هؤلاء بالحداثة والغرب والتفوق الأوروبي الكاسح أكبر من صدمتنا. ومع ذلك، لم تكن إشكاليتهم هي إشكالية »الصحويين« كيف نحافظ على ذاتيتنا. وإنما كانت كيف نتقدم وننهض، وجوابا مميزا وإيجابيا عنه. فأين دعاة »صراع الحضارات« من هؤلاء الذين حاوروا المستشرقين بجرأة وتوسّلوا بأدوات المعرفة للدفاع عمّا هم مقتنعون به؟
نعم، من باب الأمانة العلمية أن نتفهم الأسباب التي تدعو هذه النخب الثقافية الإسلامية الجديدة إلى الاعتصام بفكرة الهوية، وإلى إنتاج هذه الترسانة من الأطروحات الايديولوجية حول الخصام الحضاري بين الإسلام والغرب، وهي أسباب تقع في نطاق شروط الصراع بين غرب الاستعمار والهيمنة وبين مجتمعات الإسلام المعاصرة ويحتاج وعيها وتفهمها إلى مقاربة مختلفة تتوسل بمناهج علم الاجتماع السياسي ومفاهيمه ومع ذلك، فإن الأمانة العلمية ذاتها تقتضي القول إن إمعان خطاب الهوية الدينية والثقافية) في رفض النظر الى مسألة العلاقة بين الغرب والمجتمعات العربية والاسلامية إلا من خلال قناتها الدينية الثقافية يرتب نتائج بالغة السوء على صعيدين على صعيد بناء رؤية صحيحة للعلاقة إياها، وعلى صعيد اختيار السياسات المتعلقة بمعالجة آثار تلك العلاقة.
الدكتور عبد الإله بلقزيز
المقال موجود على الرابط التالي:
http://www.balagh.com/mosoa/garb/2005vt3h.htm

Partager cet article
Repost0

commentaires

Profil

  • Dr.Belkeziz
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni

Texte Libre


Recherche

Archives