Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
30 novembre 2011 3 30 /11 /novembre /2011 23:56

منذ التسعينيات من القرن الماضي بدأ الكلام عن نظام عالمي جديد، وهيمن الخطاب الاستراتيجي الأمريكي المتستر بتاريخانية هيجلية متفائلة، كما عند فوكوياما، او بواقعية انتروبولوجية ثقافية حضارية، كما عندها نتنغتون، الأمر الذي يحتم على الباحث العربي تجديد خطابه، خاصة بعد النهوض الملحوظ في الدراسات التاريخية والاجتماعية والفلسفية على امتداد العالم العربي. في هذا السياق التاريخي يطرح كتاب "أفكار النهضة بين الأمس واليوم من الدعوة لها الى البحث فيها" تحرير وتقديم وجيه كوثراني، منتدى المعارف 2011، افكار النهضة العربية، لا من زاوية طبيعتها الايديولوجية، بل من زاوية النقد الابستمولوجي، والتعامل مع الأجوبة السابقة التي طرحها النهضويون، بمناهج علوم الانسان والمجتمع وإخضاعها للمساءلة البحثية لكشف نقاط الاستمرار ونقاط الانقطاع ونقاط التجاوز. على هذا الأساس رأى كمال عبد اللطيف ان لا معنى لدراسة تاريخ الافكار في مجتمعاتنا، الا باستخدام مناهج العلوم الإنسانية والاجتماعية الحديثة، واستكمال الإطلالة المعرفية الاولى للمؤسسين الجامعيين الأوائل بالنقد الابستمولوجي، وتوسيع مجال النظريات بإدخال معطيات الخصوصي والمحلي في ظل الحداثة السياسية والمؤسسات الراعية للبحث العلمي. ومن هذا المنطلق بالذات قرأ محمد سعد ابو عامود إشكالية الدولة العربية مستعرضاً آراء مجموعة من الباحثين العرب ليؤكد ان إسهامات هؤلاء تحتاج الى استكمال ومواصلة. فليس من الجائز التنكر للدولة التقليدية العربية تحت تأثير بعض المفاهيم الغربية الكلاسيكية، فمن الدول التقليدية العربية من هو عريق في تاريخه ونشأته كحصيلة لعوامل داخلية واقليمية أصيلة، معظمها سابق على الاستعمار، وكان يتمتع بشرعية سياسية نابعة من قيم المجتمع الأساسية وحضارته الخاصة. ولجهة تلاقي الدولة القديمة مع الدولة الحالية يتبنى ابو عامود رأي محمد عابد الجابري في ان دولة الملك العضوض التي أسسها معاوية ماثلة حية في الذاكرة التاريخية للمواطن العربي، ويتعامل معها في حياته اليومية، وهي تعيد إنتاج نفسها مرة بعد أخرى وعلى مراحل تاريخية متتابعة في العالم العربي. ما يبرر التساؤل المسكوت عنه في الفكر العربي حول حقيقة التنظيم السياسي القائم، هل هو تنظيم يصل الى مرحلة الدولة بالمفهوم الغربي الحديث ام انه يقدم صورة مختلفة من صور التنظيم السياسي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم؟ اما محدودية التمثل الديمقراطي في خطاب محمد عبده التي يثيرها محمد الحداد، فأسبابها تقع في حيز العوامل التاريخية. فاذا لم يستخدم عبده مفردة الديموقراطية، فليس معنى ذلك انه كان خصماً لها، بل لأن الفكر السياسي الحديث تأسس على طلب الممكن. ان التعامل مع الخطاب من خارج تاريخيته يمارس ظلماً على المدروس، وإذا ما مني هذا الاصلاح او ذاك بالفشل فليس بسبب خلل في بنية الخطاب، بل بسبب سياقات تاريخية تستدعي التأريخ لها بمنهج التأريخ للتحولات والانقطاعات وتعددها في لحظة معينة من التاريخ. مقالتا عبد الاله بلقزيز في منطق الخطاب الإصلاحي الحديث والإصلاحية الاسلامية يعبران عن هذا المنحى من النظر. وعليه فثمة ملاحظة تاريخية شدد عليها بلقزيز تقول بالقطيعة بين اجتهاد الإصلاحية الاسلامية النهضوية وبين اجتهاد الصحوة الإسلامية. فالاجتهاد الأول كان "انفتاحاً" والاجتهاد الثاني كان "انغلاقاً". العلمانية مقالة كمال عبد اللطيف حول علمانية فرح انطون والمجال السياسي في الفكر العربي ومقالة وجيه كوثراني حول إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في العقل العملي بين فرح انطون ومحمد عبده تحملان هذا الهم المعرفي والنهضوي في المجال السياسي. اعتبرت الأولى ان "المقالة الفرحية الانطونية جاءت أشبه ما تكون بالطفرة النظرية" في الكتابة السياسية الجديدة في الفكر العربي، لأنها كانت "التأسيس لمفهوم العلمانية" عندما طالب فرح انطون "بالفصل بين السلطة الدينية والسلطة السياسية". وإذا كان الفكر العربي لم يتمكن من تطوير المقالة العلمانية الأنطونية، فذلك مرده الى التقصير النظري الكبير الذي ما فتئ يشكل الملمح البارز في فكرنا السياسي، والمداخل المعرفية الأصلح لدراسة تلك العوائق النظرية تتمثل باستخدام علوم الإنسان والمجتمع. اما الثانية فقد انصرفت الى بحث تجليات "العقل العملي" في الممارسة لدى عبده وأنطون. ان البحث عن ممارسة سياسية مشتركة بين الاثنين يقود الى العقل العملي ودوره في التقريب بين التوجهات والحلول، وقد أوصلت الممارسة عبده وأنطون، رغم اختلاف مرجعيتيهما بين اسلامية واشتراكية، الى موقف عقلاني عملي واحد من حقوق العمال. وهنا يتساءل كوثراني: ماذا جرى لهذا المنطق العملي العربي بعد أنطون وعبده؟ ماذا فعلت الاحاديتان الاسلامية والقومية بهذا العقل العملي؟ ولا بد في نظره للاجابة عن هذين السؤالين من مواصلة تأصيل العلوم الانسانية والاجتماعية واستخدام مناهجها استخداماً خلاقاً. في نظرة إجمالية نرى ان الكتاب يشكل دعوة لاعادة التفكير في أسئلة النهضة العربية وقراءتها قراءة معاصرة في ضوء المستجدات التاريخية، وانطلاقاً من مكاسب الفلسفة الحديثة والمعاصرة ونتائج مباحث العلوم الانسانية في الدين والمقدس وفي التاريخ والمجتمع، وهو يدفع من خلال أبحاثه الجدية في هذا الاتجاه، ويمهد لمزيد من الإفادة من المخزون النهضوي الغني بتوجهاته واشكالياته التي لا تزال تتمتع بالحضور والراهنية. الا ان ذلك لا يعفينا من مناقشة بعض الأحكام والاجتهادات وكشف ما لابسها من مغالطة او اشكالية، من ذلك:
أ ـ رأى كمال عبد اللطيف ان مقالات فرح انطون "أشبه ما تكون بالطفرة النظرية المفاجئة" في الفكر العربي، وفي ذلك جفاء للحقيقة وللتاريخ. فالمقالة العلمانية بمعنى فصل الدين عن السياسة وعدم استخدامه لأغراض سياسية، مطروحة في الفكر العربي بأشكال مختلفة قبل ان يولد انطون عام 1874 وليس عام 1847 كما ذكر خطأ في الكتاب. طرحها فارس الشدياق عام 1855 في "الساق على الساق" داعياً الى الفصل بين السلطتين الدينية والمدنية. وطرحها بطرس البستاني في "نفير سورية" عام 1860 لأن خلط الدين بالسياسة في رأيه يفسد الاثنين معاً، ولأن التعصب المذهبي يسبب الضرر للدين والمجتمع على السواء. وطرحها فرنسيس المراش صراحة في كتابه "غابة الحق" عام 1865 إذ دعا الى تنزيه الدين عن "الأغراض الخصوصية" والفصل بين السياسي والديني، وعدم اتخاذ الدين ذريعة للسياسة المطلقة.
ب ـ ان الاستعانة بالمفاهيم الليبرالية ـ الدفاع عن الحرية والمساواة، فصل الدين عن الدولة، الدفاع عن التسامح والمواطنة ـ تشكل الأساس البنيوي للفكر الليبرالي عند فرنسيس المراش، طليعة الليبراليين العرب، وليست كما يظن عبد اللطيف ـ "مرجعية جديدة داخل الفكر السياسي الناشئ في ثقافة النهضة العربية".
ج ـ ليس صحيحاً ان مسألة الهوية لم تكن مطروحة بالنسبة للنهضويين، وأن الاشكالية كانت تدور حول المسألة الديمقراطية، أي حقوق الانسان والمواطن. والحق ان اشكالية الهوية مطروحة صراحة في الفكر النهضوي، وان بدرجات وأشكال متفاوتة، سواء عند بطرس البستاني او فرنسيس المراش او ابراهيم اليازجي او أديب اسحق. وقد تم التصدي لها جنباً الى جنب مع اشكالية التقدم والديمقراطية السياسية والاجتماعية، وفي النص النهضوي ـ نثراً او شعراً ـ ما يؤكد ذلك. أفكار النهضة بين الأمس واليوم، تحرير وتقديم وجيه كوثراني، منتدى المعارف.

 

د.عبد الاله بلقزيز
Partager cet article
Repost0

commentaires

Profil

  • Dr.Belkeziz
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni

Texte Libre


Recherche

Archives