Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
19 juin 2011 7 19 /06 /juin /2011 22:01

يتحدث الأتراك، كما تتحدث التقارير الغربية، عن تيارين داخل النظام السوري اليوم متقابلين أو مختلفين في مواجهة حركة الاحتجاجات المندلعة في البلد منذ شهر مارس/ آذار من العام الماضي . تيار متشدّد، وهم يُسَمون بعض رموزه القريبة من الرئيس بالأسماء، وتيار معتدل يضعون الرئيس على رأسه مع بعض من السياسيين المخضرمين . يقود التيار الأول عملية إخماد الحراك الاحتجاجي بالقوة النارية المجرّدة، فيما يطرح الثاني مبادرات سياسية (الإفراج عن المعتقلين، الدعوة إلى الحوار الوطني . . .) لاستيعاب الأزمة الداخلية وتهدئة الموقف . معظم المعارضة السورية في الخارج، وبعضها في الداخل، لا يصدّق أن الأمور تجري على هذا النحو داخل النظام، ويذهب إلى أن موقفه من المظاهرات موحّد سياسياً، وأمّا ما يبدو عليه من تباين بين تيارين فلا يعدو أن يكون تبادلاً للأدوار .


لا يُسْتَبعَد أن يكون التوصيف التركي  الغربي للوضع الداخلي للنظام في سوريا صحيحاً في اتجاهاته العامة، وقد يشهد لصحّته أنه، بمعنى ما، يبرّئ ساحة الرئيس بشار الأسد من حمّام الدم الجاري في البلد، حين يضعه في خانة المعتدلين، والحال أن قادة الدول الغربية تناصبه العداء منذ زمن وترى في نظامه تهديداً ل”إسرائيل” وضغطاً مستمراً عليها من طريق دعمه للمقاومة . وما من شك في أن مصحلتها تقضي بالمزيد من تشويه قائد النظام لا الإيحاء باعتداله . وإذا كانت فرنسا ساركوزي سارعت إلى إعلان سقوط شرعيته، فإن أمريكا وبريطانيا مازالتا  حتى الآن  تحثانه على قيادة عملية الإصلاحات بنفسه، وتشاركهما تركيا النظرة عينَها .


والحقّ أن من يعرف الرئيس بشّار الأسد، ونظرته العصرية إلى السياسة الدولية، وثقافته الواسعة، وأريحيته في الحوار، لا يمكنه أن يصدّق أنه يعطي أوامره بإطلاق الرصاص على أبناء شعبه، وبإنزال الدبابات وطائرات الهيلكوبتر لتصفية المتمردين على نظام الحكم . إنه لا يستطيع أن يفعل ذلك من دون أن يعرض شرعيته السياسية لشرخ كبير . ومن الطبيعي أن يُحْجم عن ذلك إذا كان الثمن هو أن يفقد رأسماله الرمزي الكبير عند شعبه، أو أن يفقد كل رصيده من المكتسبات التي حققها منذ تولّي السلطة في العام ،2000 وخاصة صورته كقائد نجح في مواجهة موجة غير مسبوقة من الضغط الأمريكي والغربي على سوريا وقرارها الوطني طيلة الفترة الواقعة بين العامين 2003 و،2009 وصورته كرجل إصلاحي على ما بدا عليه في “خطاب القَسَم” قبل أحد عشر عاماً .


أياً يكن أمر هذا التوصيف التركي  الغربي للخلاف بين تيارات الحكم وأجنحته في سوريا، فإن الذي لا مراء فيه أن على الرئيس بشار الأسد مسؤولية التدخل لوقف حمّام الدم في المدن والشوارع، ومحاسبة مرتكبي أفعال القتل المروّعة للمتظاهرين، وسحب الجيش من المواجهات للحفاظ على وظائفه الوطنية وعقيدته القتالية، والسماح للمواطنين بالتعبير الحُرّ عن مواقفهم وبالتظاهر السلمي . . . مقدّمة إجرائية وضرورية للحوار مع المعارضة الديمقراطية في البلد حول سُبل الخروج من الأزمة والتوافق على عقد اجتماعي  سياسي جديد يقوم عليه الاجتماع السياسي ونظام الحكم في سوريا . لا أحد يملك أن يقوم بهذا، ويكسر حلقة العنف والقتل، غير بشار الأسد، لأنه رئيس الدولة وقائد النظام والمسؤول الأول عن مأمورية الكبار الذين تتهمهم التقارير الدولية بالوقوف وراء تلك الارتكابات كافة . أما القول بعدم قدرته على ذلك، بدعوى ما يملكه المتنفذون في الأجهزة من قوة، فشكلٌ آخر من الطعن في شرعية الرئيس وتصويره بأنه رهينة رجال آخرين في النظام .


على الرئيس الأسد أن يتخذ قرارات شجاعة إزاء هذا الموت العبثي الجماعي شبيهة بقراراته الشجاعة في مواجهة الضغط الدولي أو في دعم المقاومة . وعليه أن لا يستمع في ذلك إلى أحد ممّن قد يَصْرِفه عن واجب الإنقاذ الوطني: أكان حزباً يخشى على سلطته وامتيازاته أم جهازاً يخشى على نفسه من المحاسبة . عليه فقط تحكيم ضميره الوطني والإنساني والمصلحة العليا للوطن والشعب: في الحرية والاستقرار والازدهار . تدخله الحاسم لإنقاذ شعبه من الموت اليومي والتشرد والنزوح في الآفاق وحده يبرّئ ساحته مما يجري، ويعيد إليه شرعية أصيبت إصابات بليغة كان يمكن تفاديها منذ ثلاثة أشهر . كلما تأخر الوقت، استفحل الأمر أكثر واعتاص على الاستيعاب، وأصبح الحلّ في حكم الاستحالة . لابدّ، إذن، من سرعة المبادرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتقليل الخسارات على كثرتها، وشدّتها وعِظَم مآسيها الإنسانية .


لا أحد يريد لسوريا هذا الذي هي فيه اليوم من محنة سوى الأعداء . لا مناص من أن تتخطى محنتها باتفاق أبنائها جميعاً لتقفل على المتربصين أبواب استغلال المحنة تلك . الرئيس وحده يملك مفتاح الوقوف على القدمين بقرار شجاع . قد يكون مؤلماً لغيره ممّن لا يريدون الإصلاح، لكنه ضروري للدولة والنظام والشعب . وفي اللحظة التاريخية، على القائد أن يكون تاريخياً، أي في مستوى تحدياتها .

 

د.عبد الاله بلقزيز
Partager cet article
Repost0

commentaires

Profil

  • Dr.Belkeziz
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni

Texte Libre


Recherche

Archives