Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
20 septembre 2010 1 20 /09 /septembre /2010 11:26

تتعزز شرعية الدولة، أية دولة، بشرعية النظام السياسي القائم فيها، وقد تتأذى صورتها من فقدان النظام السياسي ذاك شرعيته، غير أن ذلك التلازم بين الشرعيتين لا يتعدى نطاقه الكمي والخارجي، ولا يفرض النظر إليه بما هو تلازم تكويني . ذلك أن شرعية الدولة، وإن عظمت حجماً بشرعية النظام السياسي فيها، لا تتوقف على شرعيته وجوداً أو عدداً، فقد تقوم دولة في نطاق مجتمعي - سكاني، وتتمتع بالشرعية من دون أن يتمتع النظام السياسي فيها بالشرعية عينها، وهذه حال الدول الوطنية الحديثة التي قامت في أوروبا بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، كتعبير عن إرادة أمم وجماعات اجتماعية، ولم تقم فيها نظم سياسية تتمتع بالشرعية الحديثة (الديمقراطية) إلا بعد ردح طويل من الزمن، ومسلسل من الصراعات الاجتماعية والسياسية . وقد تكون الدولة شرعية ونظامها السياسي على نحوها ثم يصيب تطورها طارئ تنقلب به أحوال ذلك النظام فيقوم آخر بديلاً منه في التكوين والماهية، مفتقراً إلى الشرعية أو منقضاً عليها إن هو أتى من طريقها، وتلك - مثلاً - حال النظام النازي في ألمانيا، والفاشي في إيطاليا، ونظام فرانكو في إسبانيا، وسالازار في البرتغال . . . الخ .

 

ولما كانت شرعية أي نظام سياسي ممتنعة الوجود إلا في دولة تتمتع بالشرعية التاريخية والاجتماعية، فقد يحدث أن يقوم مثل هذا النظام في دولة لم يستكمل كيانها بعد شرعيته بالمعنى الدقيق لمفهوم شرعية الدولة، ولا يغيّر ذلك كثيراً في شرعيته كنظام، كما لا تنتقض به القاعدة التي تقول بتوقف شرعية النظام على شرعية الدولة . الأمثلة على هذه الحالة كثيرة في التاريخ، لم يكن النظام السياسي في فلورانسا، في عهد ميكيافيلي، منقوص الشرعية بمعايير القرن السادس عشر، لكن ايطاليا لم تكن قد تكونت كدولة قومية وتوحدت إماراتها قبل النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولم يكن النظام السياسي في مدينة جنيف، في عهد جان جاك روسو، يعاني من فقر في الشرعية الديمقراطية، لكن جنيف لم تكن دولة بالمعنى الحقيقي في القرن الثامن عشر، وكان على سويسرا في ما بعد أن تكون تلك الدولة بعد أن اتحدت مقاطعاتها الثلاث . كما أن بروسيا، في عهد هيغل، لم تكن تعاني من نقص في شرعية نظامها السياسي في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، غير أن الدولة التي ينتمي إقليم بروسيا إليها (ألمانيا) لم تحقق وحدتها القومية، وبالتالي، كينونتها، كدولة حديثة إلا في سبعينات القرن التاسع عشر .

 

من البيّن، إذن، أن شرعية الدولة والنظام السياسي مسألة مركبة وليست مبسطة ولا بسيطة، فالتطابق بين الشرعيتين ليس حاصلاً دائماً، حتى لا نقول إنه غالباً ما يكون غائباً .

 

وقد تكون الحالة العربية نموذجية واستثنائية في آن: نموذجية لأنها تعبّر عن شكل آخر من التطابق بين الشرعيتين غير اللذين أشرنا إليهما، واستثنائية لأنه لا تشبهها في ذلك حالة أخرى في عالمنا المعاصر . فأما التطابق الذي عنينا، فالتطابق في فقدان الشرعية في الحالتين معاً: في حالة الدولة حيث البلاد العربية مجزأة إلى دويلات صغيرة أكثر “شرعياتها” من التقسيم الاستعماري، وحيث حلم الدولة العربية السيدة - التي يقوم سلطانها على مجموع الأمة - ما زال معلقاً بل عسير المنال، ثم في حالة السلطة أو النظام السياسي الذي لم يتجهز بعد بمقتضيات الشرعية الدستورية والديمقراطية الحديثة، وما زال أكثر شرعياته (هو) “شرعية الأمر الواقع” . وأما أنها استثنائية، فلأننا لا نعلم وجود حالة أخرى تشبهها في هذا الفقدان المزدوج للشرعية .

 

يمكن لأي نظام سياسي اكتسب، أو يكتسب، شرعية ديمقراطية لدى المواطنين، في أي مجتمع من المجتمعات العربية الراهنة، أن ينهض بأحد الدورين المحتملين تجاه شرعية الدولة: دور جاذب أو دور نابذ؛ يمكن لشرعيته أن تتحول مع الزمن إلى قوة جذب لدى مجتمعات عربية أخرى يتراءى لها فيه النموذج والمثال، وربما لدى النخب الإصلاحية والديمقراطية فيها، وقد تغريه نموذجيته في عيون الآخرين، ونجاحاته الداخلية، في أن ينهض بأدوار خارج حدوده تنعكس إيجاباً على صعيد تنمية الروابط العربية، وخصوصاً حينما يكون هذا النظام الشرعي يحكم مجتمعاً كثير السكان وكثير الموارد، ثم يمكن لتلك الشرعية أن تتحول، على العكس من الاحتمال الأول، إلى قوة نبذ تعرقل الأواصر والروابط بين المجتمع الذي تقوم فيه والمجتمعات العربية الأخرى، وبيان ذلك أن تلك الشرعية قد تخلق الشعور بالإشباع الكياني لدى المجتمع الذي قامت فيه، وتعزز الشعور بالوطنية النهائية غير المفتوحة على أي أفقٍ وحدوي عربي، وخصوصاً حينما لا تعني العلاقة الأفقية العربية، لدى المتمتعين بنظام ديمقراطي، سوى الصلة ببيئة سياسية استبدادية أو تسلطية، ومثل هذا الاحتمال يترجح أكثر كلما كانت النخبة السياسية الحاكمة في نظام الشرعية هذا نخبة ديمقراطية ووطنية لكنها غير مؤمنة بالخيار الوحدوي العربي .

 

لابد، إذن، من التريث في إصدار أحكام قطعية نهائية في الصلة الممكنة بين الشرعيتين، وعدم حملها على وجه واحد منها بافتراضه وجهها الوحيد والممكن . الشرعية الديمقراطية مطلوبة في كل ظرف، ولا ينبغي أن تكون محط مساومة تحت أي عنوان وباسم أية أولوية، لكن استيلاد فكرة الصيرورة إلى دولة جامعة من مقدمات ديمقراطية موضعية فرضية أكثر منها حقيقة أو حتمية تاريخية .

عبد الاله بلقزيز



 

Partager cet article
Repost0

commentaires

Profil

  • Dr.Belkeziz
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni

Texte Libre


Recherche

Archives