Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
5 juillet 2010 1 05 /07 /juillet /2010 09:54

يس من شك في أن معظم الناس  خاصة الذكور  يجد في مباريات كرة القدم مناسبة لتحصيل متعة بصرية ونفسية . اللياقات الجسدية، والخفة في الحركة، والرشاقة في الأداء، وحماسة الجمهور، وصوت المذيع يعلو ويهبط على إيقاع حركة اللعب، منشطات للشعور بالمتعة . يزيد معدل ذلك كله حين يكون في جملة من يتنافس فريق يتعصب له المرء، إما بدافع الانتماء (فريق الحي أو المدينة أو الفريق الوطني)، أو بدافع الإعجاب بآخر على نحو الإعجاب العالمي بفريق البرازيل .

 

الرياضة عموماً، وكرة القدم على نحو خاص، آلية من آليات تنمية الشعور بالأنا الجماعية . لعلها تفعل ذلك أكثر من البرامج الإعلامية الموجهة والمقررات المدرسية .

 

وربما لا تتسلل السياسة إلى الشعور في مثل هذه الحال فحسب، وإنما أيضاً في حالات مشابهة أو قريبة الصلة . فقد يتعصب المرء إلى فريق بلد آخر لأنه عربي أو مسلم أو عالمثالثي . وقد يتعصب ضد آخر لأنه من مجال جغرافي  سياسي يقترن في وعيه بالاستعمار والعنصرية والعدوان على الشعوب الصغرى وإشعال الحروب ضدها . . . إلخ .

 

تقترن كرة القدم بالماهيات الاجتماعية مثلما تقترن بالمتعة، لكنها  في الوقت عينه  تستثير مزيجاً من الغرائز العدوانية والمشاعر الإنسانية غزيراً . فهي تحرك في النفس  في نفوس اللاعبين ونفوس مناصريهم  الرغبة في الانتقام وما يرافقها من الشتم والسباب والعراك الفردي والمصادمات الجماعية . وكثيراً ما شهدت ميادينها هذا النوع من التعبير عن نوازع العدوان في الناس . وهي تحرك  أيضاً  الرغبة في التعبير عن البطولة وروح الفروسية من طريق التنافس الشريف والالتزام الأخلاقي بقواعد اللعبة .

 

في كرة القدم  إذن  ومنافساتها وجمهورها وطقوس التفرج تتمظهر الظواهر كافة التي تستحق القراءة والتحليل: السادية، والنرجسية، والهستيريا الفردية والجماعية، والعُصَاب، والتعصب والعصبيات، ومستويات التعبير المختلفة عن الهوية الجمعية، والعلاقة بالآخر، ومنظمة القيم الأخلاقية، والتسامح، والعلاقة بالقانون (قواعد اللعبة)، والثقافة الاجتماعية والسياسية الجمعية . . . إلخ . وهي ظواهر لم نجد حتى اليوم من يستثمرها  بكل أسف  الاستثمار المناسب في حقل العلوم الاجتماعية في المغرب والبلاد العربية كافة .

 

ثمة وجه مَرَضي مخيف في الموضوع يحسن بالمرء أن يتوقف عنده، إذا كان لكرة القدم سحر خاص تمارس به هذه اللعبة تأثيرها العميق في جمهور الناس في العالم  كباراً وصغاراً  فإن هذا السحر يبلغ أحياناً حداً مرعباً، حينما نلاحظ أن الانشداد الجماعي إليها والانشغال والولع بها يتحول إلى استلاب كامل .

 

والحق أن أعراض هذا الاستلاب الجماعي بارزة في مجتمعنا وفي المجتمعات العربية كافة، خاصة لدى فئة الشباب، وعلى نحو مزعج مخيف . والمرء يكاد يلحظها كل يوم، في سياق ثورة الإعلام والاتصال، بعد أن كان موعدها أسبوعياً (في مباريات الأحد) . وها نحن  بمناسبة كأس العالم  نعاينها على مدار الساعة: في كل لحظة وحين .

 

يداهمك الخوف من هذا الاستلاب الجماعي في مناسبات مختلفة من يومك وفي أمكنة مختلفة: في صباحات المقاهي حيث تستهلك الصفحات الرياضية في الصحف كما لا يستهلك غيرها، وفي أحاديث رواد المقاهي وأكثرها يرد تعليقاً على مباراة جرت أمس أو ستجري يوم الحديث، ثم في الاحتشاد الجماعي للناس في المقاهي لمشاهدة منافسات كرة القدم، وفي أزيز مئات السيارات التي تجوب الشوارع منتصف الليل ابتهاجاً بانتصار فريق ما . . . إلخ . تبلغ حالة الاستلاب ذروتها في المونديال . ما إن يصل موعد مباراة المساء، بُعَيْد السابعة بتوقيت المغرب، حتى تنشق الأرض فتبتلع عشرات الآلاف من السيارات المتحركة ومئات الآلاف من البشر، وتختفي تماماً مظاهر الازدحام واختناق المرور، فتتحول المدينة إلى فضاء هادئ في منتهى الوداعة، فتشعر كما لو أن الناس جميعاً على موعد مع مدفع الإفطار في شهر رمضان . والأسوأ من ذلك أن تقرأ أوراق امتحانات طلبة الجامعة فتكتشف في خوائها رائحة المونديال .

 

إنه الاستلاب، المرض المخيف الذي يمكن أن يهدد أي مجتمع، فيجعل من متعة مباراة هدفاً عظيم الطلب يفوق أي هدف آخر في الحياة بما فيه النجاح في الامتحان . كرة القدم أفيون الشعوب كما كان يقول المرحوم محمد عابد الجابري . وهي حقاً أفيون تتخدّر به البشرية اليوم ويفقد ملايين الشباب  بالإدمان اليومي عليه  السيطرة على حياتهم ومستقبلهم .

 

عبد الاله بلقزيز

 

http://www.alkhaleej.ae/portal/42ea646c-c347-49b8-8350-87d809b3005d.aspx

 

 

Partager cet article
Repost0

commentaires

Profil

  • Dr.Belkeziz
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni

Texte Libre


Recherche

Archives