Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
24 août 2009 1 24 /08 /août /2009 10:33
  

ما أَخطَأَ أمين عام “حزب الله”، السيد حسن نصرالله، حين عزا تطمينات بنيامين نتنياهو بأن الحرب لن تقع إلى محاولة تهدئة روع الجمهور “الإسرائيلي” الذي أرعبتْهُ طبول الحرب التي قرَعَتها منذ أسابيع تصريحات قادة الكيان الصهيوني وتهديداتهم للبنان: حكومة وشعباً ومقاومة. قَبْل كلام السيد نصر الله  في مهرجان الانتصار في ذكراه السنوية الثالثة  كانت غريمة نتنياهو تسيبي ليفني قد تساءلت مستنكرة عمّا إذا كان مثل هذه التصريحات، التي تدفع نحو التيئيس، يريد أن يأخذ “الاسرائيليين” نحو البحث عن جنسيات أخرى: أي نحو الهرب.


كلام السيد واستنكار ليفني يثبتان  من موقعين مختلفين ومشتبكين  حقيقة ما عاد يسع قادة الدولة الصهيونية إخفاءها أو القفز عليها: كل حرب نفسية تشنها “إسرائيل” على المقاومة في لبنان لا تفعل فعلها المدمر إلا في الجمهور “الإسرائيلي”. انتهت معادلة أعصاب منذ حرب يوليو/تموز 2006 وبدأت أخرى. كانت التهديدات “الإسرائيلية” مؤذية للداخل اللبناني في ما مضى من سنين: تضغط على الاستقرار والتوازن، وترفع حدة الاحتقان بين اللبنانيين، وتضر بالاقتصاد والسياحة، وتستنفر بعض المحيط العربي ضد المقاومة، وتضع الأخيرة في موقف حرِج مع الدولة وقسم من المجتمع السياسي والأهلي ودعاة التسوية. وما كانت تداعيات الحرب النفسية لتمرَّ بسلام حتى يكون الاستنزاف السياسي والنفسي للمقاومة قد أخذ مداه، على الأقل وهي تحاوِل إطفاء حرائقها المعنوية.


اختلفت الأمور بعد حرب تموز 2006 خرجت المقاومة من امتحان الحرب بنجاح ورباطة جأش. أسقطت أهداف العدوان عليها وعلى لبنان، ولقنت عقيدة القوة “الإسرائيلية” درساً، وهزَّتْ أمن الدولة والمجتمع في الكيان، وفرضت النزوح على قرابة المليون مستوطن في مدن وبلدات شمال فلسطين المحتلة والعيش في الملاجىء على مئات الآلاف منهم شهراً كاملاً، وضربت الاقتصاد والسياحة في “إسرائيل”، وفجرت التناقضات داخل الطبقة السياسية الحاكمة: بين الحكومة والجيش، وداخل الحكومة وداخل الجيش، بين اليمين و”اليسار” وداخل اليمين و”اليسار”، وذهبت بالمستقبل السياسي لرموز الحرب “إيهود أولمرت، عمير بيريتس، دان حالوتس” إلى غير رجعة، ثم أحدثت شرخاً عميقاً في ثقة المجتمع الصهيوني في أمنه “المحروس” وجيشه “الذي لا يُقْهَر”.


بعد التجربة المُرَّة لحرب تموز ،2006 أصبح كل تصريح يهدد بالحرب ضد لبنان أشبه ما يكون بصفارة إنذار تُطلق في “كَرْيات شمونة” أو نهاريا وصَفَد وحيفا، فلا ينجم عنها من مفاعيل غير إطلاق حال الهلع والرعب والرهاب في الجمهور. أما لبنان، والمقاومة فيه على نحو خاص، فتعلم كيف يقاوم الحرب النفسية وكيف يرد عليها الرد السياسي الهادىء والمناسب فيكشف عما تضمره من عجز عن تغيير ما كرسته نتائج حرب تموز من معادلات جديدة. وما أخطأ السيد نصر الله حيث نبه إلى أن أكثر ما يمكن أن يطمئن لبنان على أن حرباً لن تقع في الأمد القريب المنظور هو كثرة الحديث “الاسرائيلي” عنها والتهديد بها، لأن القاعدة الذهبية لتفسير مثل هذا الإسهال التهويلي هي أن كثرة القول تقوم مقام العجز في الفعل والعجز عن الفعل. والوجه الثاني منها ينبغي أن يُحسب ويتحسب له: كلما صمتت “إسرائيل” أكثر، خيف من صمتها أو أخذ  أقلاً  في جملة القرائن على عُدة تُعد للعدوان. خبرة المؤمن الذي لا يُلدغ من الجحر مرتين هي خبرة لبنان المقاومة.


ولأن حرب الأعصاب جزء من الحرب العامة وشكل قتالي من أشكالها، فإنه يسري على توازناتها ونتائجها ما يسري على توازنات القوى العسكرية ونتائج العمليات الحربية من أحكام. ويملك المرء أن يقول، في هذا الباب، إن المقاومة لم تنجح في تحقيق ردع عسكري حاسم للعدو في حرب تموز فحسب، وإنما أفلحت في تحقيق ردع سيكولوجي أو ردع على صعيد الحرب النفسية، والردعان متلازمان تلازم نتائج الحرب. حتى أن المرء منا يستطيع أن يذهب إلى القول  من دون تزيد  إن الحرب النفسية التي تشنها المقاومة بلسان قائدها باتت أفعل وأفتك وأشدَّ إيذاء للمعنويات من حرب “إسرائيل” النفسية، على الأقل لأن المقاومة  في عين الجمهور “الإسرائيلي”  تفعل ما تقول من دون ثرثرة، وتنفذ ما تعد به أو تهدد. وليست هذه حال قادة الدولة الصهيونية الذين تُمعن ألسنتهم في التطرف وتعجز أياديهم عن الإنجاز. ولقد أصبح اليوم أي خطاب يلقيه نصر الله وجبة تعذيب لمعنويات الجمهور “الإسرائيلي” لا تكفي المناورات العسكرية للرد عليها لأنها هي نفسها باتت تحرك مواجع ذلك الجمهور وتذكره بأن أهوال الغد ستكون أشد من أهوال الأمس القريب.


الحرب النفسية الصهيونية تطمئن المقاومة مرتين: مرة لأن نتائجها ترتد على “الإسرائيليين” وحدهم، وثانية لأنها تؤشر إلى أن الحرب ليست وشيكة الوقوع. لكنها إذ تطمئنها، لا تدفع بها نحو حال من الارتخاء النفسي والثقة بموارد قوة الردع التي تملك، وإنما تحملها على التيقظ أكثر ورفع الجهوزية أكثر. وتلك أيضاً من نفائس دروس صراع خاضته مع العدو منذ ما يقل قليلاً عن ثلاثين عاما، فعرفته وخبرته بما يكفي لتتقي شره.
 بقلم الدكتور 
عبد الاله بلقزيز
 المقال موجود على الرابط التالي
http://www.alkhaleej.ae/portal/5e9a9bee-b0fc-4db4-ab5b-54f44b35b3f3.aspx

Partager cet article
Repost0

commentaires

Profil

  • Dr.Belkeziz
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni

Texte Libre


Recherche

Archives