Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
2 mars 2009 1 02 /03 /mars /2009 19:39

ما كنّا نصدق أن يوماً سيأتي يُقال فيه إن قناة تلفزيونية تشكل تهديداً للأمن القومي لبلدٍ ما، حتى سمعنا ذلك من “مسؤول” عراقي في ندوة صحافية. وما كنّا نتصوّر أن هذا “الأمن القومي” المحمي بجحافل الغزاة المحتلين، هشّ إلى الدرجة التي يخشى فيها على نفسه من نشرة أخبار، أو من تقرير مصوّر، حتى أخذنا علماً بذلك من الندوة الصحافية إيّاها! ثم ما كنّا نتخيل أن تتدهور الحريات في العراق المحتل إلى درجة إصدار قرار أمريكي ممهور بختم عراقي بإقفال مكتب قناة تلفزيونية لمجرد أنها لا تقدم في موادها ما يرغب الاحتلال والمؤسسات العراقية التي أفرز في تقديمه إلى العالم، حتى سمعنا ذلك ظهيرة يوم السبت السابع من أيام أغسطس/آب 2004!

كنّا نشك، أو كان أكثرنا يشك، في نزاهة الأداء الإعلامي لـ“الجزيرة” في العراق. وبعض أولاء لم يخف اشتباهه في طويّتها، وفي انحيازاتها لـ“التغيير السياسي” الذي حصل في بلاد الرافدين، ولنظام 9ابريل/نيسان 2003 الذي جرى استيلاده من الجراحة الكولونيالية الأمريكية للعراق. ثم ما لبثنا أن تبيّنا أن تموقع “الجزيرة” في منزلة بين المنزلتين لم يكن يكفي كي يحفظ لها حقاً في البقاء أسوة بغيرها ممن أخذ الموقع نفسه مثل “العربية” و”المنار” وسواهما من قنوات المنزلة بين منزلتين. منزلة “الجزيرة” باتت، في عرف أمريكا، المشاغَبَة على سياسات الاحتلال في العراق: بالصور التي تُبث حاملة للعالم مشاهد انتهاكات لآدمية العراقيين وأعراضهم وكرامتهم، وبالخَبر الذي يفيد بما يلقاه جنده من بأس رجال المقاومة، وبالتعليق أو الحوار أو المناظرة حيث توضع السياسة الأمريكية أمام مشرحة التحليل والنقد. ومنزلتها في عرف “أصدقاء” أمريكا في العراق، بيان لا حولهم ولا قوتهم أمام ضربات المقاومة وأمام إملاءات جنرالات الحرب الأمريكيين.

فجأة تحوّلت “الجزيرة” في خطاب الإدارة الأمريكية إلى عدو خطير بحجم أبي مصعب الزرقاوي (الذي لا يعرف أحد إن كان له وجود أم هو اختراع من اختراعات المخابرات الأمريكية، أم ان وجوده تأسطر في الدعاوة الأمريكية كما الجنية “عيشة قنديشة” في المخيال الخرافي المغربي!)، وباتت إطلالتها الإعلامية اليومية على الشأن العراقي تضعها في نصاب سياسي مؤثر في الداخل الأمريكي يخشى فريق بوش من أن تتحوّل معه القناة إلى ناخب كبير في المنافسة الرئاسية المقبلة! ومع ان في حوزة الاحتلال وأصدقائه وإدارتهما في البيت الأبيض جيشاً جراراً من القنوات العربية والأمريكية يبدأ بالـ“CNN” والـ“Fox News”، ويمرّ بـ“الحرّة” من دون أن ينتهي بقنوات تعرض برامج أسبوعية “من العراق” تستضيف فيها رجال “سلطة” ما بعد 9/4/2003، إلا أن حفظ “الجزيرة” بعض هامش لديها تختلف فيه عن أصوات الجوقة الإعلامية التي ينتظم عزفها المايسترو الأمريكي، عُد جناية تستأهل العقاب على نحو ذاك الذي أعلنه “المسؤول العراقي” في ندوته الصحافية!

لكن “الجزيرة” عدو لبعض العراقيين أيضاً ممن وجدوا أنفسهم فجأة “حكاماً” تهدّد “أمنهم القومي”، قالوا. وتحرمهم نقول من حق معرفة العراقيين بوجودهم في بغداد، وبصفاتهم “الرسمية” وأسمائهم وصورهم و”تاريخهم” في “مقاومة” نظام صدام حسين، وتحجب عنهم صفة الرجال الذين يصنعون “العراق الجديد” كما يؤثرون تقديم أنفسهم من دون أن يعرف عنهم العراقيون ذلك أو الذين “يصلون الليل بالنهار” لتشكيل “المجلس الوطني” وإدارة مرحلة الانتقال نحو إجراء الانتخابات “الحرة والنزيهة” واجتثاث الإرهاب في سبيل ذلك. ولأن “الجزيرة” لم تتبرع لهم ببرنامج “من العراق” يستضيفهم أسبوعياً فيقدمون فيه روايتهم عن مجتمع أرض السواد، فلا أقلّ من أن تكون في عرفهم من “فلول” نظام صدام حسين وأتباعه! ولا أقلّ من إخراجها من حيز مراقبة يوميات المشهد العراقي.

الغبي وحده من لا يملك أن يقرأ “قرار” الندوة الصحافية تجريم “الجزيرة” في علاقة بما قبله. وما قبله أمر صدَر قبيل “القرار” بساعات على لسان دونالد رامسفيلد. والمأساة أن الإخراج العراقي للأمر الأمريكي بإقفال مكتب “الجزيرة” وُلد خديجاً كما يولد الجنين الخديج (في الشهر السابع أو أقل)! كان يمكن انتظار يومين أو ثلاثة حتى ينسى الناس ما فاه به رامسفيلد. لكن العقل السياسي العراقي “الجديد” الذي سارع إلى إخراج علم عراقي جديد لا يوجد في رموزه ما يشير إلى ماهية العراق (= العروبة)  قبل أن يطويه ويخفي أمارات الجريمة ضد الضحية: شخصية العراق هو عينه الذي سارع إلى العمل بما يقتضيه أمر الآمر من دون إبطاء! والعجلة من الشيطان على قول مأثورنا.

“القرار العراقي” ضد “الجزيرة” ليس قراراً قضائياً (والقضاء لم ينشأ بعد في بلد محتل غير ذي سيادة)، بل هو قرار سياسي. والطريف فيه أنه أيضاً قرار تربوي. إنه يضع “الجزيرة” تحت الاختبار شهراً ليعلم إن كانت قد تعلمت الدرس: ألا تقول الحقيقة، وأن تشهد على ما يجري في العراق شهادة زور، وأن تقدم التوبة جهاراً فتصمت أو تسلك مسلك التعتيم، ولِمَ لا أن تتنزل منزلة القناة التي تضع منبرها ورصيدها تحت تصرف رجال الندوة الصحافية.

عن التجديد العربي
المقال موجود على الرابط التالي:
http://www.arabrenewal.net/index.php?rd=AI&AI0=5133

Partager cet article
Repost0

commentaires

ع
قناة الجزيرة امرها معروف للقاصي والداني والصغير والكبير وللمثقفين وغيرهم فهي معروفة ومشهورة بتقاريرها الفخخه وقلبها للحقاءق وكذبها الكثير. كل ذلك خدمة لمارب ونزوات االتطرف والطاءفيه لامير قطر الجديد وتتنفيذا لمخططات خبيثه في المنطقه لاتخدم سوى مرضى النفوس وعباد السلطه الذين يحبون تحقيق رغباتهم الدنيءه باي ثمن وان تحطمت البلدان وشردت اللشعوب .فقناة الجزيرة يجب ان يوقف بثها دوليا وتحال الى المحاكم الدوليه لانها اصبحت اخيرا بحق قناة دعم الارهاب والدفاع عن داعش والمجرمين .ذا
Répondre

Profil

  • Dr.Belkeziz
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni
  • Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Uni

Texte Libre


Recherche

Archives